فصل: تفسير الآيات (120- 129):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (120- 129):

{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)}
{فوسوس إليه الشيطان} أي أنهى إليه الوسوسة فأسر إليه ثم بين تلك الوسوسة ما هي فقال {قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد} أي على الشجرة التي إن أكلت منها بقيت مخلداً {وملك لا يبلى} أي لا يبيد ولا يفنى رغبة في دوام الراحة فكان الشيء الذي رغب الله فيه آدم رغبة إبليس فيه، إلا أن الله تعالى وقف ذلك على الاحتراز عن تلك الشجرة وإبليس وقفه على الإقدام عليها وآدم مع كمال علمه بأن الله تعالى هو خالقه وربه ومولاه وناصره، وإبليس هو عدوه أعرض عن قول الله تعالى ولم يرد المخالفة ومن تأمل هذا السر عرف أنه لا دفع لقضاء الله ولا مانع منه. وقوله تعالى: {فأكلا منها} يعني أكل آدم وحواء من الشجرة {فبدت لهما سوءاتهما} أي عريا من الثياب التي كانت عليهما حتى بدت فروجهما وظهرت عوراتهما {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} أي يلزقان بسوءاتهما من ورق التين {وعصى آدم ربه} أي بأكل الشجرة {فغوى} أي فعل ما لم يكن له فعله وقيل أخطأ طريق الحق وضل حيث طلب الخلد بأكل ما نهي عنه فخاب ولم ينل مراده وصار من العز إلى الذل ومن الراحة إلى التعب. قال ابن قتيبة: يجوز أن يقال عصى آدم ولايجوز أن يقال آدم عاص، لأنه إنما يقال لمن اعتاد فعل المعصية كالرجل يخيط ثوبه يقال خاط ثوبه ولا يقال هو خياط حتى يعاود ذلك مراراً ويعتاده.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم «احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا أخرجتنا من الجنة فقال له آدم أنت يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده أفتلومني على أمر قدره الله تعالى علي قبل أن يخلقني بأربعين عاماً فحج آدم موسى».
وفي رواية لمسلم «قال آدم: بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين سنة قال فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى. قال له نعم قال فهل تلومني على أن عملت عملاً كتب الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحج آدم موسى».
الكلام على معنى الحديث وشرحه:
قوله احتج آدم وموسى: المجادلة والمخاصمة يقال حاججت فلاناً فحججته أي جادلته فغلبته. قال أبو سليمان الخطابي: قد يحسب كثير من الناس أن معنى القدر والقضاء من الله تعالى على معنى الإجبار والقهر للعبد على ما قضاه وقدره، ويتوهم أن قوله فحج آدم وموسى من هذا الوجه وليس كذلك.
وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله بما يكون من أفعال العباد وإكسابهم وصدورها عن تقدير منه وخلق لها خيرها وشرها. والقدر اسم لما صدر مقدراً عن فعل القادر والقضاء في هذا معناه الخلق وإذا كان الأمر كذلك فقد بقي عليهم من وراء علم الله فهم أفعالهم وأكسابهم ومباشرتهم الأمور وملابستهم إياها عن قصد وتعمد وتقدم إرادة واختبار. فالحجة إنما تلزمهم بها واللائمة تلحقهم عليها وجماع القول في هذا أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر لأن أحدهما بمنزلة الأساس والآخر بمنزلة البناء. فمن رام الفصل بينهما فقد رام هذا البناء ونقضه وإنما موضع الحجة لآدم على موسى أن الله تعالى كان قد علم من آدم أن يتناول الشجرة ويأكل منها، فكيف يمكنه أن يرد علم الله فيه وأن يبطله بعد ذلك. وإنما كان تناوله الشجرة سبباً لنزوله إلى الأرض التي خلق لها وإنما أدلى آدم بالحجة على هذا المعنى ودفع لائمة موسى عن نفسه ولذلك قال أتلومني على أمر الله علي من قبل أن يخلقني.
فصل في بيان عصمة الأنبياء وما قيل في ذلك:
قال الإمام فخر الدين الرازي: اختلف الناس في عصمة الأنبياء وضبط القول فيها يرجع إلى أقسام أربعة، أحدهما: ما يقع في باب الاعتقاد وهو اعتقاد لكفر والضلال فإن ذلك غير جائز عليهم. والثاني: ما يتعلق بالتبليغ فقد أجمعت الأمة على كونهم معصومين عن الكذب مواظبين على التبليغ والتحريض. وإلا لارتفع الوثوق بالأداء واتفقوا على أن ذلك لا يجوز وقوعه منهم عمداً ولا سهواً ومن الناس من جوز ذلك سهواً قالوا لأن الاحتراز عنه غير ممكن. الثالث: ما يتعلق بالفتيا فأجمعوا على أنه لا يجوز خطؤهم فيها على سبيل العمد وأجازه لبعضهم على سبيل السهو. الرابع: ما يقع في أفعالهم فقد اختلفت الأمة فيه على خمسة أقوال. أحدها: قول من جوز عليهم الكبائر. الثاني: قول من منع من الكبائر وجوز الصغائر على جهة العمد وهو قول أكثر المعتزلة. الثالث: لا يجوز أن يأتوا بصغيرة ولا كبيرة البتة بل على جهة التأويل وهو قول الجبائي. الرابع: أنه لا يقع منهم الذنب إلا على جهة السهو والخطأ. الخامس: أنه لا يقع منهم لا كبيرة ولا صغيرة لا على سبيل العمد ولا على سبيل السهو ولا على سبيل التأويل، وهو قول الشيعة. واختلفت الناس في وقت العصمة على ثلاثة أقوال: أحدها: قول من ذهب إلى أنهم معصومون من حين وقت الولادة وهو قول الشيعة. الثاني: قول من ذهب إلى عصمتهم من وقت بلوغهم وهو قول أكثر المعتزلة. الثالث قول من ذهب إلى أن ذلك لا يجوز منهم بعد النبوة وهو قول أكثر أصحابنا وأبي الهزيل وأبي علي من المعتزلة.
قال الإمام والمختار عندنا لم يصدر عنهم ذنب لا صغيرة ولا كبيرة من حين جائتهم النبوة. ويدل عليه وجوه أحدها: لو صدر الذنب عنهم لكانوا أقل درجة من أحد الأمة وذلك غير جائز لأن درجة الأنبياء غاية في الرفعة والشرف. الثاني: لو صدر منه وجب أن لا يكون مقبول الشهادة فكان أقل حالاً من عدول الأمة وذلك غير جائز أيضاً لأن معنى النبوة والرسالة هو أنه يشهد على الله أنه شرع هذا الحكم، وأيضاً فإنه يوم القيامة شاهد على الكل. الثالث: لو صدر من النبي ذنب وجب الاقتداء به فيه وذلك محال. الرابع: ثبت ببديهة العقل أنه لا شيء أقبح بمن رفع الله درجته وائتمنه على وحيه وجعله خليفته في عباده وبلاده يسمع ربه يناديه لا تفعل كذا فيقدم عليه ويفعله ترجيحاً لغرضه. واجتمعت الأمة على أن الأنبياء كانوا يأمرون الناس بطاعة الله فلو لم يطعيوه لدخلوا تحت قوله: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} وقال {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} الخامس: قال الله تعالى: {أنهم كانوا يسارعون في الخيرات} ولفظه للعموم فيتناول الكل ويدل على فعل ما ينبغي فعله وترك ما ينبغي تركه، فثبت أن الأنبياء كانوا فاعلين لكل خير وتاركين لكل منهي وذلك ينافي صدور الذنب عنهم. السادس: قال الله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير} وقال تعالى: {إن الله اصطفى آدم وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} وقال تعالى في حق موسى: {إني اصفيتك على الناس برسلاتي وبكلامي} وقال تعالى: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إن أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار} وغير ذلك من الآيات التي تدل على كونهم موصوفين بالاصطفاء والخيرة، وذلك ينافي صدور الذنب عنهم، وذكر غير ذلك من الوجوه. قال وأما المخالف فقد تمسك بآيات منها قصة آدم هذه. والجواب عنها أن نقول إن كلامهم إنما يتم أن لو بينوا بالدلالة أن ذلك كان حال النبوة وذلك ممنوع ولم لا يجوز أن يقال إن آدم حال ما صدرت عنه هذه الأشياء ما كان نبياً وإن هذه الواقعة كانت قبل النبوة وإن الله تعالى قبل توبته وشرفه بالنبوة والرسالة. وقال القاضي عياض وأما قصة آدم {وعصى آدم ربه فغوى} أي جهل وقيل أخطأ فقد أخبر الله تعالى بعذره في قوله: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما} أي نسي عداوة إبليس له وما عهد الله إليه. وقيل لم يقصد المخالفة استحلالاً لها ولكنه اغتر بحلف إبليس له إني لكما لمن الناصحين وتوهم أن أحداً لا يحلف بالله كاذباً، وقيل نسي ولم ينو المخالفة فلذك قال ولم نجد له عزماً أي قصداً للمخالفة، وقيل بل أكل من الشجرة متأولاً وهو لا يعلم أنها الشجرة التي نهي عنها لأنه تأول نهي الله عن شجرة مخصوصة لا على الجنس، ولهذا قيل إنما كانت التوبة من ترك التحفظ لا من المخالفة وقيل تأويل أن الله تعالى لم ينه نهي تحريم.
فإن قلت إذا نفيت عنهم الذنوب والمعاصي فما معنى قوله: {وعصى آدم ربه فغوى} وما تكرر في القرآن والحديث من اعتراف الأنبياء بذنوبهم وتوبتهم واستغفارهم وإشفاقهم وبكائهم على ما سلف منهم وهل يتوب ويستغفر من لا شيء عليه. قلت إن درجة الأنبياء من الرفعة والعلو والمعرفة بالله وسنته في عباده وعظم سلطانه وقوة بطشه، مما يحملهم على الخوف منه جل جلاله والإشفاق من المؤاخذة بما لا يؤاخذ به غيرهم، وإنهم في تصرفهم بأمور لم ينهوا عنها ولم يؤمروا، وآتوها على وجه التأويل أو السهو وتزيدوا من أمور الدنيا المباحة أوخذوا عليها وعوتبوا بسببها أو حذروا من المؤاخذة بها فهم خائفون وجلون، وهي ذنوب بالإضافة إلى علو منصبهم ومعاص بالنسبة إلى كمال طاعتهم، لا أنها ذنوب كذنوب غيرهم ومعاصيهم كان هذا أدنى أفعالهم وأسوأ ما يجري من أحوالهم كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين، أي يرونها بالإضافة إلى علو أحوالهم كالسيئات وسنذكر في كل موضع ما يليق به وما قيل فيه إن شاء الله تعالى. قوله عز وجل: {ثم اجتباه ربه} أي اختاره واصطفاه {فتاب عليه} أي عاد بالعفو والمغفرة {وهدى} أي هداه لرشده حتى رجع إلى الندم والاستغفار {قال اهبطا منه جميعاً} قيل الخطاب لآدم ومعه ذريته ولإبلس ومعه ذريته فصح قوله اهبطا لاشتمال كل واحد من الجنسين على الكثرة، وقيل الخطاب لآدم وحواء لأنهما أصل البشر فجعلا كأنهما البشر فخوطبا بلفظ الجمع {بعضكم لبعض عدو} وقيل في تقوية هذا الظاهر حقه أن يكون إبليس والشياطين أعداء الناس، ويحتمل أن يكون بعض الفريقين لبعض عدواً {فأما يأتينكم مني هدى} أي كتاب ورسول {فمن اتبع هدايَ} أي الكتاب والرسول {فلا يضل ولا يشقى} قال ابن عباس: من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ووقاه يوم القيامة سوء الحساب وذلك لأن الله تعالى يقول فمن اتبع هداي فلا يضل أي في الدنيا ولا يشقى أي في الآخرة {ومن أعرض عن ذكري} يعني القرآن فلم يؤمن به ولم يتبعه {فإن له معيشة ضنكاً} روي عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أنهم قالوا هو عذاب القبر. قال ابو سعيد يضغط في القبر حتى تخلتف أضلاعه.
وفي بعض المسانيد مرفوعاً يلتئم عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، فلا يزال يعذب حتى يبعث وقيل الزقوم والضريع والغسلين في النار، وقيل الحرام والكسب الخبيث.
وقال ابن عباس الشقاء وعنه قال كل ما أعطي العبد قل أم كثر فلم يتق فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة. وإن قوماً أعرضوا عن الحق وكانوا أولي سعة من الدنيا مكثرين منها فكانت معيشتهم وذلك أنهم يرون أن الله ليس بمخلف لهم فاشتدت عليهم معايشهم من سوء ظنهم بالله تعالى. وقيل يسلب القناعة حتى لا يشبع {ونحشره يوم القيامة أعمى} قال ابن عباس أعمى البصر وقيل أعمى عن الحجة {قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً} يعني بصيراً العين أو بصير بالحجة {قال كذلك} يعني كما {أتتك آياتنا فنسيتها} يعني فطردتها وأعرضت عنها {وكذلك اليوم تنسى} يعني تترك في النار وقيل نسوا من الخير والرحمة ولم ينسوا من العذاب {وكذلك نجزي من أسرف} يعني كما جزينا من أعرض عن القرآن كذلك نجزي من أسرف أي أشرك {ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد} يعني مما يعذبهم الله به في الدنيا والقبر {وأبقى} يعني وأدوم قوله تعالى: {أفلم يهد لهم} يعني أفلم يبين القرآن لكفار مكة {كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم} يعني في ديارهم ومنازلهم إذ سافروا وذلك أن قريشاً كانوا يسافرون إلى الشام فيرون ديار المهلكين من أصحاب الحجر وهم ثمود وقريات قوم لوط {إن في ذلك لآيات لأولي النهى} أي لذوي العقول {ولولا كلمة سبقت من ربك} أي ولولا حكم سبق بتأخير العذاب عنهم {لكان لزاماً وأجل مسمى} تقديره ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى وهو القيامة لكان العذاب لازماً لهم في الدنيا كما لزم القرون الماضية الكافرة.

.تفسير الآيات (130- 135):

{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)}
{فاصبر على ما يقولون} نسختها آية السيف {وسبح بحمد ربك} أي صل بأمر ربك {قبل طلوع الشمس} يعني صلاة الفجر {وقبل غروبها} أي صلاة العصر {ومن آناء الليل} أي ومن ساعاته {فسبح} يعني فصل المغرب والعشاء قال ابن عباس يريد أول الليل {وأطراف النار} يعني صلاة الظهر سمي وقت الظهر أطراف النهار لأن وقته عند الزوال وهو طرف النصف الأول انتهاء وطرف النصف الآخر ابتداء {لعلك ترضى} أي ترضى ثوابه في المعادن وقيل معناه لعلك ترضى بالشفاعة، وقرئ ترضى بضم التاء أي تعطى ثوابه، وقيل يرضاك ربك.
(ق) عن جرير بن عبد الله قال: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر وقال إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» قوله لا تضامون بتخفيف الميم من الضيم، وهو الظلم والمعنى أنكم ترونه جميعاً لا يظلم بعضكم بعضاً في رؤيته وروي بتشديد الميم من الانضمام والازدحام، أي لا يزدحم ولا ينضم بعضكم إلى بعض في رؤيته والكاف في قوله كما ترون هذا القمر كاف التشبيه للرؤية لا للمرئي وهي فعل الرائي، ومعناه ترون ربكم رؤية ينزاح معها الشك كرؤيتكم هذا القمر ليلة البدر ولا ترتابون فيه ولا تشكون قوله عز وجل: {ولا تمدن عينيك} قال أبو رافع نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فبعثني إلى يهودي فقال قل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بعني كذا وكذا من الدقيق أو سلفني إلى هلال رجب فأتيته فقلت له ذلك فقال والله لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال والله لئن باعني أو أسلفني لقضيته إني لأمين في السماء وأمين في الأرض أذهب بدرعي الحديد إليه» فنزلت هذه الآية: {ولا تمدن عينيك} أي لا تنظر نظراً تكاد تردده استحساناً للمنظور إليه وإعجاباً به وتمنياً له {إلى ما متعنا به} أي أعطينا {أزواجاً} أي أصنافاً {منهم زهرة الحياة الدنيا} أي زينتها وبهجتها {لنفتنهم فيه} أي لنجعل ذلك فتنة بأن تزيد النعمة فيزيدوا كفراً وطغياناً {ورزق ربك} أي في المعاد في الجنة {خير وأبقى} أي أدوم وقال أبي بن كعب من لم يعتز بالله تقطعت نفسه حسرات، ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس يطل حزنه ومن ظن أن نعمة الله عليه في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قل عمله وحضر عذابه.
قوله تعالى: {وأمر أهلك} أي قومك وقيل من كان على دينك {بالصلاة} يعني بالمحافظة عليها {واصطبر عليها} يعني اصبر على الصلاة فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وقيل اصبر عليها فإن الوعظ بلسان الفعل أبلغ منه بلسان القول {لا نسألك رزقاً} أي لا نكلفك أن ترزق أحداً من خلقنا ولا أن ترزق نفسك بل نكلفك عملاً {نحن نرزقك} أي بل نحن نرزقك ونرزق أهلك {والعاقبة للتقوى} أي الخصلة المحمودة لأهل التقوى قال ابن عباس الذين صدقوك واتبعوك وآمنوا بك وفي بعض المسانيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصاب أهله ضر أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية قوله تعالى؛ {وقالوا} يعني المشركين {لولا يأتينا بآية من ربه} أي الآية المقترحة فانه كان قد أتاهم بآيات كثيرة {أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى} أي بيان ما فيها وهو القرآن لأنه أقوى دلالة وأوضح آية وقيل معنى ما في الصحف ما في التوراة والإنجيل وغيرهما من أخبار الأمم أنهم اقترحوا الآيات فلما أتتهم لم يؤمنوا فعجلنا لهم العذاب والهلاك فما يؤمنهم إن أتتهم الآية أن يكون حالهم كحال أولئك وقيل بينة ما في الصحف الأولى هي البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وبعثته {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله} أي من قبل إرسال الرسل وإنزال القرآن {لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسلاً} أي لقالوا يوم القيامة أولاً أرسلت إلينا رسولاً يدعونا {فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى} بالعذاب والهوان والافتضاح {قل كل متربص} أي منتظر دوائر الزمان وذلك أن المشركين قالوا نتربص بمحمد ريب المنون وحوادث الدهر فإذا مات تخصلنا قال الله تعالى: {فتربصوا} أي فانتظروا {فستعلمون} أي إذا جاء أمر الله وقامت القيامة {ومن أصحاب الصراط السوي} يعني المستقيم {ومن اهتدى} يعني من الضلالة نحن أم أنتم والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.